( الصفحة 339 )
خاتمة في الاعتكاف
وهو اللبث في المسجد بقصد التعبّد به . ولا يعتبر فيه ضمّ قصد عبادة أُخرى خارجة عنه وإن كان هو الأحوط ، وهو مستحبّ بأصل الشرع ، وربما يجب الإتيان به لأجل نذر أو عهد أو يمين أو إجارة ونحوها ، ويصحّ في كلّ وقت يصحّ فيه الصوم ، وأفضل أوقاته شهر رمضان ، وأفضله العشر الآخر منه . والكلام في شروطه وأحكامه 1 .
1ـ الكلام يقع في أُمور :
الأوّل : أ نّ الاعتكاف بحسب اللغة(1) هو الاحتباس والإقامة على شيء بالمكان ، كما في قوله ـ تعالى ـ : { وَأَنتُمْ عَـكِفُونَ فِى الْمَسَـجِدِ }(2) . وقوله ـ تعالى ـ : { يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَام لَّهُمْ}(3) ، وغير ذلك من الموارد ، ولكنّه في الشرع عبارة عن اللبث في المسجد(4) بقصد العباديّة ، كما هو المرتكز عند المتشرّعة .
- (1) لسان العرب 4 : 401 ، مجمع البحرين 2 : 1253 ـ 1254 ، المفردات : 343 .
(2) سورة البقرة 2 : 187 .
(3) سورة الأعراف 7: 138 .
(4) جامع المقاصد 3: 94 ، رياض المسائل 5: 503 ، مستند الشيعة 10: 543 ، جواهر الكلام 17: 159 ، المستند في شرح العروة 22: 335 .
( الصفحة 340 )
الثاني : أنّه هل يعتبر فيه ضمّ قصد عبادة أُخرى خارجة عن اللبث ، كالاشتغال بالصلاة، أو بقراءة القرآن، أو نحوهما ؟ الظاهر هو العدم وإن جعله مطابقاً للاحتياط الاستحبابي .
والدليل عليه أوّلا : ظاهر الكتاب، قال ـ تعالى ـ : { وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِىَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}(1) ; نظراً إلى أنّ جعل الاعتكاف قسيماً للطواف والركوع والسجود دليل على أنّ الاعتكاف عبادة مستقلّة كسائر العناوين .
وثانياً : الروايات ، مثل :
صحيحة داود بن سرحان قال : كنت بالمدينة في شهر رمضان ، فقلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنّي أُريد أن أعتكف فماذا أقول ؟ وماذا أفرض على نفسي ؟ فقال : لاتخرج من المسجد إلاّ لحاجة لابدّ منها ، ولا تقعد تحت ظلال حتّى تعود إلى مجلسك(2) . فجواب الإمام (عليه السلام) واقتصاره على مجرّد الكون في المسجد ، المقرون بقصد العباديّة لا محالة دليل على عدم اعتبار غير ذلك .
الثالث : أ نّه مستحبّ بأصل الشرع ، وقال في المتن : إنّه ربما يجب الإتيان به لأجل نذر أو عهد أو يمين أو غيرها .
أقول : أمّا استحبابه بأصل الشرع فلا مجال لإنكاره ; لثبوته كذلك عند المتشرّعة حتّى النبي (صلى الله عليه وآله) من الصدر الأوّل ، ويدلّ على ذلك السؤال عن بعض خصوصيّاته في الروايات ، مثل ما مرّ وغيره .
- (1) سورة البقرة 2 : 125 .
(2) الفقيه 2 : 122 ح 528 ، الكافي 4 : 178 ح 2 ، تهذيب الأحكام 4 : 287 ح 870 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 550 ، كتاب الاعتكاف ب 7 ح 3 .
( الصفحة 341 )
وأمّا الوجوب لأجل مثل العناوين المذكورة في المتن ، فلعلّه يخالف ظاهراً مع ما تكرّر من الماتن (قدس سره) في موارد متعدّدة ; من أنّ الواجب في النذر هو عنوان الوفاء به ، ولا يسري الحكم من هذا العنوان إلى المنذور ، فصلاة الليل لا تصير واجبة ولو تعلّق النذر بها ، وهكذا في العهد واليمين والإجارة ومثلها .
الرابع : أنّه يصحّ في كلّ وقت يصحّ فيه الصوم ; لعدم التقييد بوقت خاصّ . نعم ، أفضل أوقاته شهر رمضان ، ويدلّ عليه مثل:
موثّقة السكوني ، عن الصادق، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : اعتكاف عشر في شهر رمضان تعدل حجّتين وعمرتين(1) . ولو نوقش في سند الرواية يكون في البين قاعدة التسامح في أدلّة السنن .
وأفضله العشر الأواخر منه ، كما هو المعروف من سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) ، وتدلّ عليه صحيحة أبي العبّاس البقباق ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : اعتكف رسول الله (صلى الله عليه وآله) في شهر رمضان في العشر الاُول ، ثمّ اعتكف في الثانية في العشر الوسطى ، ثمّ اعتكف في الثالثة في العشر الأواخر ، ثمّ لم يزل (صلى الله عليه وآله) يعتكف في العشر الأواخر(2) ; فإنّ استمرار الاعتكاف منه (صلى الله عليه وآله) في العشر الأواخر كاشف عن شدّة الاهتمام به في هذا الوقت ، كما لا يخفى .
- (1) الفقيه 2: 122 ح 531 ، المقنع: 210 ، وعنهما وسائل الشيعة 10: 534 ، كتاب الاعتكاف ب 1 ح 3 .
(2) الكافي 4 : 175 ح 3 ، الفقيه 2 : 123 ح 535 وعنهما وسائل الشيعة 10 : 534 ، كتاب الاعتكاف ب 1 ح 4 .
( الصفحة 342 )
( الصفحة 343 )
القول في شروطه
يشترط في صحّته أُمور :
الأوّل : العقل ، فلا يصحّ من المجنون ولو أدواراً في دور جنونه ، ولا من السكران وغيره من فاقدي العقل .
الثاني : النيّة ، ولا يعتبر فيها بعد التعيين أزيد من القربة والإخلاص . ولا يعتبر فيها قصد الوجه ـ من الوجوب أو الندب ـ كغيره من العبادات ، فيقصد الوجوب في الواجب والندب في المندوب وإن وجب فيه الثالث ، والأولى ملاحظته في ابتداء النيّة، بل تجديدها في الثالث .
ووقتها في ابتداء الاعتكاف : أوّل الفجر من اليوم الأوّل ; بمعنى عدم جواز تأخيرها عنه ، ويجوز أن يشرع فيه في أوّل الليل أو أثنائه فينويه حين الشروع ، بل الأحوط إدخال الليلة الأُولى أيضاً والنيّة من أوّلها 1 .
1ـ يشترط في صحّة الاعتكاف أُمور :
الأمر الأوّل : العقل، ويترتّب عليه عدم الصحّة من المجنون ولو أدواراً في دور جنونه ، ولا من السكران وغيره من فاقدي العقل ، وجعل « الأمر الأوّل » العقل دون البلوغ ـ كما في المتن ـ إنّما هو لأجل أ نّ عبادات الصبي شرعيّة لا تمرينيّة ، كما